فصل: (مسألة:جواز اشتراك سبعة في بدنة أو بقرة)

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي



.[فرع: نذر الضحية بمعيب]

فإن نذر أن يضحي بحيوان فيه عيب يمنع الإجزاء وجب عليه ذبحه كما لو نذر أن يتصدق بلحمه، ولا يجزئه عن الأضحية للعيب الذي فيه، كما لو أعتق عبدا معيبا عن الكفارة فإنه يعتق ولا يجزئه عن الكفارة. فإن زال العيب عنه قبل أن يضحي به ثم ضحى به سليما لم يجزه عن الأضحية؛ لأن ملكه قد زال عنه بالنذر، وهو في تلك الحال مما لا يجزئ عن الأضحية، فلم يجزه بما يحدث بعده، كما لو أعتق عبدا معيبا عن الكفارة ثم زال العيب فإنه لا يجزئه عن الكفارة.

.[مسألة:استحباب ذبحه أضحيته وحكم النية والاستنابة]

يستحب للرجل أن يتولى ذبح هديه وأضحيته؛ لما روى أنس: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ضحى بكبشين أقرنين أملحين، فوضع رجله على صفاحهما، وسمى وكبر وذبحهما».
وروى نافع عن ابن عمر: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يذبح أضحيته بالمصلى». قال نافع: (وكان ابن عمر يفعل ذلك)
وروت عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يأمر نساءه أن يلين ذبح هديهن».
قال الطبري: وينوي في الأضحية المعينة: أنها تذبح عن أضحيته، وهل تحتاج إلى النية عند الذبح؟ فيه وجهان:
أحدهما: لا بد من النية عند الذبح. قال: وهو الأصح؛ لأن تلك النية للتعيين لا للذبح.
والثاني - ولم يذكر الشيخ أبو حامد في "التعليق" غيره -: أنه لا يفتقر إلى النية عند الذبح، بل لو أوجب أضحية، فذبحها يعتقدها شاة لحم، أو ذبحها لص وقعت موقعها.
قال الطبري: وإن كانت الأضحية غير معينة نوى عند ذبحها.
وإن استناب في ذبح هديه أو أضحيته غيره جاز؛ لما روي: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أهدى مائة بدنة فنحر منها ثلاثا وستين، ثم أعطى عليا فنحر منها ما غبر» أي: ما بقي.
والمستحب: أن لا يستنيب في الذبح إلا مسلما؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا يذبح هداياكم إلا طاهر» فإن استناب ذميا صح.
وقال مالك: (لا تكون أضحية ويحل أكلها).
دليلنا: أن الذمي من أهل الذكاة، فأشبه المسلم. قال الطبري في "العدة": فعلى هذا: ينوي حين يدفع إلى وكيله، أو حين يذبح الوكيل. فإن فوَّض إلى الوكيل لينوي، فإن كان مسلما صح، وإن كان كافرا لم يجزه تفويض النية إليه، بل ينوي عند الدفع إليه، أو عند ذبحه.
والمستحب إذا استناب غيره في الذكاة: أن يشهد الذبح؛ لما روى أبو سعيد الخدري: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال لفاطمة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -: «يا فاطمة قومي إلى أضحيتك فاشهديها؛ فإنه بأول قطرة تقطر من دمها يغفر لك ما سلف من ذنوبك».

.[فرع: الضحية عن الغير بغير إذنه]

قال الطبري في "العدة": إذا ضحى عن غيره بغير إذنه لم يجز، وكذلك لو ضحى عن ميت ولم يوص بها لم يجز، وهل يجزئ عن المباشر؟ ينظر فيه: فإن كانت الشاة عينها للأضحية أجزأت عنه؛ لأنه كان عليه ذبحها عن نفسه.
وإن كانت غير معينة لم تجزه؛ لأنه لم ينوها. وإن اشترك اثنان في شاة لم تجز؛ لأن أقل ما يجزي عن كل واحد منهما شاة، ولكن لو أشركه في ثواب أضحيته وذبحها عن نفسه جاز، ثم قال: وهذا معنى قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «هذا عن محمد وأمة محمد».
وإن اشترك اثنان في شاتين مشاعتين أضحية عنهما بينهما فوجهان، حكاهما الطبري في "العدة":
أحدهما: لا يجزئ؛ لأنه يقع عن كل واحد نصف كل واحدة منهما، فلم يوجد في حقه ذبح شاة كاملة.
والثاني: يصح؛ لأن حصة كل واحد منهما شاة.

.[فرع: التوجه حال الذبح إلى القبلة]

والمستحب: أن يوجه الذبيحة إلى القبلة أضحية كانت أو غيرها؛ لما روي: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ضحى بكبشين أملحين، فوجههما إلى القبلة، وقرأ: {وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ} [الأنعام: 79]» الآية [الأنعام: 79]).
وروت عائشة: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «ضحوا وطيبوا بها أنفسكم، فإنه ليس من مسلم يستقبل بذبيحته القبلة إلا كان دمها وقرنها وصوفها حسنات في ميزانه يوم القيامة». ولأنه إذا لم يكن بد من جهة فجهة القبلة أولى.
قال الطبري: وفي كيفية استقبال القبلة بها وجهان:
أحدهما: يكون ظهرها إلى دبر القبلة حتى يكون وجهها إلى القبلة.
والثاني - وهو الأصح -: أن يكون مذبحها إلى القبلة.

.[فرع: استحباب التسمية عند الذبح]

ويستحب أن يسمي الله تعالى عند الذبح؛ لما روى أنس: (أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سمى وكبر). فإن ترك التسمية لم يؤثر، وحل أكلها، سواء تركها عامدا أو ناسيا، وبه قال في الصحابة ابن عباس وأبو هريرة، وإليه ذهب عطاء ومالك.
وذهب الشعبي وداود وأبو ثور إلى: أن التسمية شرط في الإباحة فمن تركها عامدا أو ناسيا حرم أكلها.
وقال الثوري وأبو حنيفة وأصحابه: (هي شرط في الإباحة مع الذكر، وليست بشرط مع النسيان).
دليلنا: قَوْله تَعَالَى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ} [المائدة: 3] إلى أن قال: {وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلا مَا ذَكَّيْتُمْ} [المائدة: 3]. ولم يفرق بين أن يسمى أو لا يسمى.
وروت عائشة: «أن قوما قالوا: يا رسول الله إن قوما من الأعراب حديثو عهد بالجاهلية يأتونا باللحم، لا ندري أذكروا اسم الله عليه أم لا، أفنأكل منها؟ فقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «اذكروا اسم الله عليه وكلوا». ولأن كل ذكر لم يكن شرطا مع
النسيان لم يكن شرطا مع الذكر، كالتكبيرات سوى تكبيرة الإحرام، وعكسه تكبيرة الإحرام وقراءة الفاتحة.

.[فرع: استحباب الصلاة على النبي والدعاء عند الذبح]

ويستحب أن يصلي على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مع التسمية عند الذبح، وأن يقول: اللهم تقبل مني.
وقال أبو حنيفة ومالك: (يكره أن يصلي على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عند الذبح، ولا يكره أن يقول: اللهم تقبل مني).
دليلنا: قَوْله تَعَالَى: {وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ} [الشرح: 4]
قيل في التفسير: (لا أذكر إلا وتذكر معي).
وروى عبد الرحمن بن عوف قال: «سجد رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فوقفت أنتظره، فأطال، ثم رفع رأسه، فقال عبد الرحمن: لقد خشيت أن يكون الله قد قبض روحك في سجودك، فقال: «يا عبد الرحمن، لقيني جبريل - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، فأخبرني عن الله أنه قال: من صلى عليك مرة صليت بها عليه عشرا، فسجدت لله شكرا» فثبت: أن الصلاة عليه مستحبة بكل حال.
وروت عائشة: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لما ذبح أضحيته قال: «اللهم تقبل من محمد وآل محمد، ومن أمة محمد» وفي رواية جابر: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال لما وجه أضحيته إلى القبلة: {وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ حَنِيفًا} [الأنعام: 79]» وقرأ الآيتين، وقال: «اللهم منك ولك عن محمد وأمته، بسم الله، والله أكبر» ثم ذبح. ولأنه لا خلاف أن رجلا لو مر بمن يذبح، فقال: اللهم تقبل من فلان لم يكره، فأن لا يكره منه هذا أولى.

.[مسألة:شراء الأضحية لا يوجبها وما تتعين به وحكم إبدالها]

إذا اشترى شاة بنية أنها أضحية ملكها بالشراء، ولم تصر أضحية.
وقال مالك وأبو حنيفة: (تصير أضحية بذلك).
دليلنا: أن عقد البيع يوجب الملك، وجعلها أضحية يزيل الملك، والشيء الواحد لا يوجب الملك وزواله في وقت واحد معا، كما لو اشترى شيئا بنية وقفه أو اشترى عبدا بنية عتقه.
إذا ثبت هذا: فأراد أن يجعلها أضحية فهل يفتقر إلى القول؟ فيه قولان:
الأول: قال في الجديد: (لا تصير أضحية إلا بالقول) وهو أن يقول: هذه أضحية، أو جعلتها أضحية؛ لأنه إزالة ملك على وجه القربة، فافتقر إلى القول، كالوقف والعتق.
والثاني: قال في القديم: (إذا نوى أنها أضحية صارت أضحية)؛ لـ: (أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قلد بدنه وأشعرها). ولم ينقل أنه قال: إنها هدي.
والأول أصح؛ لأنه يحتمل أن يكون النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - متطوعا بها، ولم ينذرها، فلذلك لم ينطق، أو يجوز أن يكون قد أوجبها لفظا، ولم ينقله الراوي، أو لم يسمعه أحد.
فإذا قلنا بقوله الجديد فلا كلام.
وإن قلنا بالقديم: وأنها تصير أضحية أو هديا بالنية ففيه ثلاثة أوجه:
أحدها: تصير هديا أو أضحية بالنية لا غير، كالصوم.
والثاني: لا تصير حتى يضاف إلى النية التقليد أو الإشعار - وهو المنصوص في القديم - ليوجد منه الأمران: الظاهر والباطن.
والثالث: أنها لا تصير هديا أو أضحية إلا بالنية والذبح.
إذا تقرر هذا: وتعينت الأضحية زال ملكه عنها، ولم يجز له إبدالها بغيرها.
وقال أبو حنيفة ومحمد: (له إبدالها بغيرها) وقد مضى ذكره في (الهدي).
فإن باعها فالبيع باطل. فإن قبضها المشتري وتلفت في يده وجب على البائع الضمان، فإن ضمنها البائع ضمنها بأكثر الأمرين من قيمتها، أو هدي مثلها، وله أن يرجع على المشتري بقدر قيمتها لا غير. وإن ذبحها المشتري قبل وقت الذبح لزمه ما نقص من قيمتها للبائع، ويكون على البائع إكمال ما يشتري به مثلها؛ لأنه كان السبب لها في يد المشتري. وإن ذبحها وقت الذبح أجزأت عن البائع؛ لأنها مستحقة للذبح، وهل يضمن المشتري ما نقص من قيمتها؟ فيه وجهان، حكاهما الطبري في "العدة":
أحدهما: يضمن؛ لأنه لم يملكها.
والثاني: لا يضمن؛ لأنه بالبيع صار كأنه سلطه على ذبحها.
وهما بناء على القولين في السيد إذا باع نجوم المكاتب، وقلنا: لا يصح وقبضها المشتري هل يعتق؟ فيه قولان.

.[مسألة:حكم الأكل من الأضحية والهدي]

وإذا ذبح الهدي أو الأضحية، فإن كان متطوعا بهما فنقل البغداديون من أصحابنا: أنه يستحب له الأكل منها.
وأشار المسعودي [في "الإبانة" ق \ 215] إلى أن الأكل جائز منها غير مستحب.
والأول أصح: لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَكُلُوا مِنْهَا} [الحج: 28] فأمر بالأكل منها، وأقل أحوال الأمر الاستحباب، وروي: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أهدى مائة بدنة، فنحر منها ثلاثا وستين بدنة، ثم أعطى عليا فنحر ما غبر منها، وأشركه في هديه، ثم أمره فاقتطع من كل واحدة منها قطعة، ثم أمر به فطبخ في قدر، فأكل من لحمها، وتحسى من مرقها»، ولا يجب عليه الأكل منها.
وحكي عن بعض الناس: أنه قال: يجب عليه الأكل منها لظاهر الأمر.
دليلنا: قَوْله تَعَالَى: {وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} [الحج: 36] فجعلها لنا وما هو للإنسان هو مخير: بين أكله، وبين تركه. ولأنه إراقة دم على وجه القربة، فلم يجب الأكل منها كالعقيقة، والآية نحملها على الاستحباب، وفي القدر الذي يستحب له أكله منها قولان:
الأول: قال في القديم: (يأكل النصف، ويتصدق بالنصف)؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ} [الحج: 28]. فجعلها بين اثنين.
والثاني: قال في الجديد: يأكل الثلث، ويهدي الثلث، ويتصدق بالثلث)؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ} [الحج: 36] فجعلها بين ثلاثة.
فقال مجاهد: (القانع): هو الجالس في بيته الذي يرضى ويقنع بالقليل، و(المعتر): هو الذي يسأل.
وقال الحسن: (القانع): هو الذي يسأل، و(المعتر): هو الذي يعرض بالسؤال، يقال: قنع - بكسر النون - يقنع - بفتحها - قناعة، فهو قنع إذا رضي بقسمه، وقنع - بفتح النون - يقنع - بكسرها - قنوعا، فهو قانع: إذا سأل.
قال الشماخ:
لمال المرء يصلحه فيغني ** مفاقره أعف من القنوع

أي من السؤال.
وقال آخر:.
.... ولم أحرم المضطر إذ جاء قانعا

أي: جاء سائلا. وأما القدر الذي يجوز له الأكل منها ففيه وجهان:
أحدهما قال أبو العباس ابن سريج، وابن القاص: يجوز أن يأكل جميعها، واحتجا بقول الشافعي في القديم: (فإن أكل الجميع لم يغرم).
ولأنها ذبيحة يجوز له أكل بعضها، فجاز له أكل جميعها، كذبيحة أهله، وعكسه الهدي في الإحرام.
والثاني: قال عامة أصحابنا: لا يجوز له أكل جميعها؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا} [الحج: 28] فمنها دليلان:
أحدهما: قَوْله تَعَالَى: {فَكُلُوا مِنْهَا} [الحج: 28] و(من): للتبعيض.
والثاني: قَوْله تَعَالَى: {وَأَطْعِمُوا} [الحج: 28] فأمر بالإطعام منها، والأمر يقتضي الوجوب.
ولأن القصد منها إيصال النفع إلى المساكين، وإنما يحصل ذلك لهم بإيصال شيء من اللحم إليهم، فأما بإراقة الدم فقط فلا يحصل فيه إلا تلويث المكان لا غير.
فعند أبوي العباس: القربة تحصل بإراقة الدم لا غير. وعند سائر أصحابنا: لا تحصل القربة إلا بإراقة الدم وتفرقة شيء من اللحم.
فإن خالف فأكل الجميع لم يضمن شيئا على قول أبوي العباس، ويضمن على قول غيرهما، وفي القدر الذي يضمنه وجهان:
أحدهما: القدر المستحب، وهو النصف على قوله القديم، والثلثان على قوله الجديد.
والثاني: يضمن أقل جزء.
وهذان الوجهان بناء على القولين فيمن دفع نصيب الفقراء إلى اثنين فإنه يضمن نصيب الثالث، وفي قدره قولان:
أحدهما: الثلث.
والثاني: أقل جزء يقع عليه الاسم.
فإذا قلنا: إنه يضمن، فبماذا يضمن؟ فيه ثلاثة أوجه:
أحدها - وهو المنصوص -: أنه يضمنه بالقيمة؛ لأن اللحم لا مثل له، وما لا مثل له يضمن بالقيمة، كسائر المتلفات.
والثاني: يضمنه بمثله من اللحم؛ لأنه أقرب.
والثالث: أنه يشارك بقدر قيمة ذلك بجزء من حيوان، والأول أصح.
وإن كان ما يذبحه واجبا عليه نظرت: فإن كان متعلقا بالإحرام لم يجز أن يأكل منه.
وقال مالك: (يجوز أن يأكل من الجميع، إلا ما كان إتلافا: كدم الحلق، وتقليم الأظفار، وجزاء الصيد).
وقال أبو حنيفة: (يجوز أن يأكل من دم التمتع والقران، لأنه دم نسك لا جبران دون غيرهما).
دليلنا: أنه دم واجب بالشرع، فلم يجز أن يأكل منه، قياسا على دم الإتلاف مع مالك، ومع أبي حنيفة على غير دم التمتع والقران.
وإن كان ما ذبحه عليه واجبا بالذر نظرت: فإن كان قد وجب عليه في ذمته دم في الحج، ثم عينه بالنذر في هدي وجب عليه ذبحه، ولم يجز له أن يأكل منه شيئا، لأنه بدل عما لا يجوز الأكل منه. وإن لم يكن معينا عما في ذمته من دم النسك نظرت:
فإن كان نذر مجازاة، بأن قال: إن شفى الله مريضي أو قدم غائبي فعلي لله أن أهدي أو أضحي شاة لم يجز له أن يأكل منها؛ لأنه لزمه على وجه المجازاة، فهو كجزاء الصيد. وإن كان بغير مجازاة، بأن يقول ابتداء: علي لله أن أهدي أو أضحي شاة، وقلنا: يلزمه، على المذهب، فهل يجوز له أن يأكل منها؟ فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: لا يجوز؛ لأنه دم واجب، فلم يجر أن يأكل منه، كدم الطيب واللباس.
والثاني: يجوز؛ لأنه وجب بفعله، فأشبه الهدي والأضحية المتطوع بهما؛ لأنهما وجبا بفعله.
والثالث: حكاه في "المهذب" أنه يجوز له الأكل من الأضحية دون الهدي؛ لأن الأضحية المطلقة في الشرع، وهي المتطوع بها يجوز الأكل منها، وأكثر الهدايا في الشرع لا يجوز الأكل منها فحمل مطلق النذر على ذلك.
فإذا قلنا: لا يجوز له الأكل، فخالف وأكل ضمنه، وفيما يضمنه ثلاثة أوجه مضى ذكرها.

.[مسألة:منع بيع شيء من الأضحية والهدي وحكم الانتفاع بها]

ولا يجوز بيع شيء من الأضحية والهدي لحما أو جلدا، نذرا كان ذلك أو تطوعا لأنها تعينت بالذبح.
وقال عطاء: لا بأس ببيع أهب الأضاحي.
وقال الأوزاعي: يجوز بيع جلودها بآلة البيت التي تعار كالقدر والفأس والمنجل والميزان.
وقال أبو حنيفة: (يجوز بيع الأضحية وشراؤها، وإذا ذبحها جاز بيع ما شاء منها، ويتصدق بثمنه، فإن باع جلدها بآلة البيت جاز له الانتفاع بذلك).
دليلنا: ما روي «عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: أمرني رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن أقوم على بدنه فأقسم جلودها وجلالها، وأمرني أن لا أعطي الجازر منها شيئا، وقال: «نحن نعطيه من عندنا» فأمره بقسمة الجلود، والأمر على الوجوب، وإنما أمره أن لا يعطي الجازر منها؛ لأن أجرة الجازر على المهدي. ولأنه أزال ملكه عنها على وجه القربة، فلم يجز بيعها كالوقف.
إذا ثبت هذا: فكل أضحية استحب له الأكل منها فإنه يجوز أن يدخر من لحمها، وينتفع بجلدها، ويتخذ منه الحذاء والسقاء والدلو وغير ذلك؛ لما روت عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قالت: «دفت دافة من أهل البادية: «ادخروا لثلاث، وتصدقوا بما بقي» فلما كان بعد ذلك قيل: يا رسول الله لقد كان الناس ينتفعون بضحاياهم ويجملون منها الودك ويتخذون منها الأسقية، فقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «وما ذاك؟» قالوا: نهيت عن ادخار لحوم الضحايا بعد ثلاث، فقال: «إنما نهيتكم لأجل الدافة التي دفت عليكم، فكلوا وتصدقوا وادخروا». ولأنه إذا جاز له أكل أكثر لحمها جاز له الانتفاع بجلدها.

.[مسألة:جواز اشتراك سبعة في بدنة أو بقرة]

يجوز أن يشترك سبعة في بدنة أو بقرة في الهدي والأضحية، وسواء كانوا متطوعين أو مفترضين، أو: بعضهم متطوعا وبعضهم مفترضا، وسواء كانوا أهل بيت أو أهل بيوت، وهكذا لو كان بعضهم يريد اللحم وبعضهم يريد القربة، فالكل جائز.
وقال مالك: (لا يجوز اشتراكهم في الهدي الواجب، ويجوز في التطوع) وهكذا قال: (لا يجوز اشتراكهم في الأضحية الواجبة، ويجوز في المتطوع بها إن كانوا آل بيت واحد، وإن كانوا أهل بيوت شتى لم يجز).
وقال أبو حنيفة: (إن كانوا كلهم متقربين جاز، وإن كان بعضهم متقربا وبعضهم يريد اللحم لم يجز).
دليلنا - على مالك -: ما روى أبو هريرة: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نحر عمن اعتمر من نسائه بقرة». وروي عن عائشة: أنها قالت «نحر رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن نسائه بدنة ونحن معتمرات» يعني: متمتعات.
وروى جابر قال: «أحصرنا مع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالحديبية، فنحرنا البدنة عن سبعة والبقرة عن سبعة».
ولأن ما جاز عن أهل بيت واحد جاز عن أهل بيوت، كالسبع من الغنم.
دليلنا - على أبي حنيفة -: أن كل ما جاز اشتراك السبعة فيه إذا كانوا متقربين جاز اشتراكهم فيه وإن كان بعضهم غير متقرب، كالسبع من الغنم. ولأن الاعتبار بنية كل واحد منهم، ولا يضرهم اختلاف نياتهم، كما إذا كان بعضهم متمتعا، وبعضهم قارنا فإنه يجوز.
إذا ثبت هذا: فإذا كانوا كلهم متقربين فنحروا هديهم أو أضحيتهم سلموها إلى المساكين مشاعة بينهم، ويبرؤون بذلك. وإن كان بعضهم متقربا وبعضهم يريد اللحم، فإذا ذبحوها سلم المتقرب نصيبه منها مشاعا إلى المساكين ويبرأ بذلك، ويصيرون شركاء لأهل اللحم، فإن باع أهل اللحم نصيبهم من المساكين أو باع المساكين نصيبهم من أهل اللحم مشاعا جاز.
وإن أرادوا القسمة، فإن قلنا: إن القسمة فرز النصيبين جاز أن يقتسموا اللحم وزنا، وإن قلنا: إن القسمة بيع فهل يجوز قسمته؟ فيه وجهان:
أحدهما قال أبو العباس بن القاص: يجوز للضرورة؛ لأنه لا يمكن بيعه.
والثاني - وهو قول عامة أصحابنا -: لا يجوز، وهو الصحيح؛ لأنه بيع لحم بلحم رطب، فلم يجز. ولأنه قد يمكن بيعه على ما ذكرناه.
فعلى هذا: إن أرادوا التخلص من الربا قسم اللحم سبعة أجزاء إذا كان لسبعة، فيأخذ كل واحد منهم جزءا، فيشتري كل واحد من كل واحد من أصحابه سبع ذلك الجزء بدرهم، ويبيع إلى كل واحد منهم سبع الجزء الذي معه بدرهم، ثم يتقاصون فيما بينهم. والله أعلم، وبالله التوفيق